قضية الانفتاح على اللغات الاجنبية
إن الانفتاح على اللغات الأجنبية من القضايا التي
تشغل بال الباحثين والمفكرين ،ومن الإشكاليات التي أسالت الكثير من المداد واكتسحت المنابر الصحافية والعلمية.
البعض يدعو الى تعلم اللغة الفرنسية وتدريس المواد
العلمية بها في المعاهد والمدارس خاصة والذين يميلون إلى هذا الاتجاه، ينطلقون من
قناعات شخصية معينة أو إيديولوجيات مذهبية أو سياسية، والبعض ينادي بالانضمام إلى
معسكر اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة عالمية توظف الآن بكثرة في معظم دول
العالم، بالمقارنة مع اللغات الأخرى ومنها الفرنسية.
والحقيقة أن الانفتاح على اللغات الأجنبية هو
أمر يهم بالدرجة الأولى الشعوب العربية التي لاينبغي أن تبقى حبيسة اللغة العرية
تجتر أمجادها الماضية ،وتتغنى بما حققه أجدادها من عز وسؤدد يوم كان الإنسان
العربي متشبتا بلغته الأم ،عليها أن تنفتح أكثر على اللغات الأجنبية :الفرنسية أم
الإنجليزية أم الصينية ؟لا يهم ،ودعونا من مسألة :هذه اللغة أفضل من تلك ،أو أن
تعلم اللغات الأجنبية يهدد اللغة العربية في وجودها ويصيبها بالضمور ويكرس النظرة
الدونية التي ينظر بها العربي إلى لغته ، هذه
مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة والعافية ،العكس هو الصحيح ،انفتاح العرب على
اللغات الأجنبية من شأنه أن يغني تجاربهم ويساهم في تقدمهم وبالتالي يستفيدون من
الغرب في المجال العلمي والتكنولوجي خاصة.
لسنا في حاجة إلى أن نكرر ونعيد كون اللغة
العربية لغة القرآن، لغة حية ومطواعة تساير التقدم العلمي، وأن العيب ليس فيها
ولكن العيب في أصحابها الذين ينظرون اليها نظرة احتقار ويهمشونها في أحاديثهم
ومحافلهم ومنتدياتهم .
لازالت
أصداء تلك القصيدة الشعرية التي درسناها يوم كنا تلاميذ في الثانوي تتردد في ذاكرتي
يقول فيها الشاعر حافظ إبراهيم متحدثا على
لسان اللغة العربية وهي تنعي نفسها:
رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ
حَصاتي وَنادَيتُ قَومي
فَاحتَسَبتُ حَياتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدْتُ بَناتي
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ
لَفظاً وَغايَةً وَما
ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ
عَن وَصفِ آلَةٍ وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ
كامِنٌ فَهَل سَأَلوا
الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى
وَتَبلى مَحاسِني وَمِنكُم وَإِن
عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني أَخافُ
عَلَيكُم أَن تَحِينَ
وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَرْبِ
عِزّاً وَمَنعَةً وَكَم
عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ
لُغاتِ
والقصيدة طويلة لازالت فيها بعض الأبيات الشعرية ، وأعتقد أن في هذا كفاية ،المهم أن الانفتاح على اللغات الأجنبية ضرورة ملحة ،وتحدي لابد من اقتحامه ورهان لامناص من كسبه ،إذا ما أردنا أن نساير الركب الحضاري الذي ما فتيء يبتعد عنا بسنوات ضوئية. ورحم الله الملك الراحل "الحسن الثاني" ، الذي لازلت أتذكر قولته الحكيمة :(الأمي ليس هو من لايعرف القراءة والكتابة ، ولكن الأمي هو من يعرف لغة واحدة.) وقبله قال الرسول عليه السلام:(من تعلم لغة قوم أمن مكرهم)...